أغلى ما في دكان عم سعيد بائع الارواح لا يتعدى ثمنه الخمسة قروش ، لذا كانت مفاجأة أطفال القرية عظيمة عندما أعلن أنه أتى بقالب شيكولاته مبرشم من مصر.
إعتادوا أن ينادونه أحمد فطوم نسبة لأمه .. لم يره أحد يصلى مع والده في المسجد الصغير .. ولمّا علموا أن ذلك يضايقه ، إلتفوا حوله ينابذونه بما يكره .. أراد المقاومة لكنه شأن الجميع قليل الحيلة .. ولمّا سقط أرضاً صرخ فيهم بوجه لطخه التراب والذل والدموع ، أبويا مات وكان اسمه صابر.
قرأ عليهم الشيخ رضوان " أنْ جاءُه الأعمى " و لمّا غابت ضحكته الخافتة .. سأل .. وتعجب حين قالوا أنه يعمل لدى المقدِّس مُحب العلاف لمده اسبوعين نظير ثمن قالب الشيكولاته.
تسرب الخبر .. و بدأ الأطفال يراقبونه وهو يعمل ، يومان و أصبح حديث القرية كلها .. زاد الترقب .. مرَّ به رضا زميل الكتّاب و حيَّاه ، سلامو عليكم يا أحمد يا صابر.
تجمّع الأطفال شرق الساقية القديمة.. توسطهم أحمد صابر في جلباب نظيف وقدم حافيه .. ارتعشت يداه قبل أن يتلوّن بابتسامة قلقة .. تابعتهم عيناه يشاركهم مضغ ما اعطاه لهم .. لسعت الشمس خده فأمال وجهه ناحية الظل .. رفع أول المنصرفين يده في ثبات ، متشكرّين يا أحمد يابو الواجب .. قبل أن يجاوبه طفل صغير ، أحمد فطوم طول عمره راجل .
- إنت باين عليك زملكاوي.
- يا عم والله ما بقت تفرق ، أنا بقول نحلْ الأندية دي كلها ونشجع كلنا الأهلي مدام محدش غيره بيكسب.
لمعت عيناه في مرآة السيارة بخبث قبل أن يكمل
- و هي في أندية ف مصر غير الأهلي ؟ ، كل الفرق بتاكل فتافيت العيش اللي بيرميها الأهلي ، جتكوا خيبة ع الحضري اللي دفعتوا فيه دم قلبكم .
إلتفتُ لشربيني الجالس بجواري أكمل له ما حدث في وقفة أمس أمام محكمة الإسكندرية في أولى جلسات محاكمة المتهمين بقتل شهيد الطوارئ
بس ، وأول ما الكوردون بقى من أربع صفوف لقيتلك فرقة من (الكروش) اللي أصبحت بني آدمين بفعل عوامل مجهولة ، و هاتك يا زق و تشليط فينا .. الواحد فيهم ايده أربع سلندر يا جدع.
نظرة أخرى ف المرآة لكنها تلك المرة تحمل بعض الإستفهام
- مش ده الواد خالد بتاع سيدي جابر ؟
- آه اللي قتلوه المخبرين.
- واتحكم عليهم بإيه؟
- لسّه ، القضية اتأجلت للشهر اللي بعد الجاي ، وهيفضلوا محبوسين لحد معاد القضية .. وان شاء الله المحامي ينجح انه يغير تهمتهم من ضرب افضى إلى موت لقتل عمد .
- عارف يا استاذ ، أي مخبر من دول لو دخل السجن انشالله شهر واحد ، هيخرج منه ميسواش 3 أبيض.
- آه طبعاً ، بس ان شاء الله ينطسوا اعدام .
- مش قصدي ، بس كل واحد من دول ليه اللي مستنينه جوا السجن ، و ألف من له تار ، ده هيت...ك لما يقول يا بس .
- يا رب يا مسهل ، البلد دي قرفت خلاص ولازم حالها ينصلح بقى.
- عارف لو يفتحوا باب السفر لبرّه والله ما هتلاقي نفر في البلد دي ، الناس كفرت.
- الحل جاي بس من غير ما حد يطلع بره ، يقعدوا هنا ويقولوا لأ للظلم والفساد .. البلد لازمها ثورة .
أطرأت برأسي في يأس .
- البلد دي عايزه واد يكون راضع من بزْ أُمه صحيح ، عارف لو راضع من بزْ أُمه والله في سنتين يصبح حالها غير، بس نعمل ايه ماحنا اللي ماسكنا ابن ل..وة لقيط .
بصراحة خفت أكلمه عن البرادعي ولا حمدين قلت اسيبه يفك عن نفسه الراجل ما صدق انفتح .
- أنت عارف أن عُمر افندي ده كان بيبع انضف قطن ف مصر ، دلوقتي بقى ايه .. حتة واد سعودي اشتراه وبيبيعوه أرضية.
- ما هو ده الفساد يا حاج اللي بكلمك عليه .. بلد حاكماها الفوضى والعمولات والسمسرة.
- والله قناة السويس دي يا استاذ لو يتوزع خيرها صح هتدخل لكل نفر بتاع تمانيه دولار كل يوم ، ده في ناس بتموّت بعضها عشان عشرين جنيه.
- معلش ، أهو في تغيير وطول ماحنا بنتكلم ماحدش هيعرف يخرسنا تاني.
- يا ريته كان يجي بالكلام .
أنهى جملته بتهيده قبل أن يسأل تنزلوا هنا ولا عند مدخل الموقف؟؟
- هنا تمام ، متشكرين يا حاج .. ادعي لمصر والنبي.
لم يرد وانشغل بفصال شربيني في جنيه زياده ف الأجرة ، يا بيه الدنيا غِلّيت مش عايز التاكساجية يغلّوا الأجرة.
بمجرد نزولي سألت أحد ماسحي السيارات .. عجوز في الستين وما حولها رسم الزمن في وجهه ما رسم .. نركب دمنهور منين ؟؟
قبل أن يرد مرت سيارة رفع يده مُعظماً : نهارك ابيض يا باشا ، التفتُ لأجد أمين شرطة داخل سيارة أجرة .
- دمنهور من هنا ، و أشار .
- باشا مين وبتاع مين يا حاج ، ده حتة أمين شرطة .. انتوا اللي نفختوهم وعملتولهم قيمة يتنططوا بيها ع الخلق .
- وهي باشا بالتركي يعني ايه يا استاذ .. ابتسامة خبيثة تكشف عن بقايا أسنان صفراء مهترئة .. يعني جزمة .. يعني أنا بقوله نهارك أبيض يا جزمة .. والبعيد جلنف ولا فاهم حاجة ...
انفجرنا في الضحك أنا وشربيني قبل أن تحتوينا أحد سيارات البيجو المتجة لدمنهور تلبية لدعوة صديق لنا ، لا أدري أين ذهب سكان دمنهور فالمدينة تقريباً ... تبدو مهجورة ، تُرى هل تحققت نبؤة السائق و كان سكان دمنهور هم أول المهاجرين من البلد ، أم أنه ذاك الخواء الذي عمّ النفوس فبقيت الأجساد بلا معنى حتى تبخرت .
إنها تلك اللمحة الضبابية الساحرة .. هي ما تجذبني إلى هذا المكان.
على كرسي مواجه للنافذة الكبيرة بت أراقب الميدان العامر دائماً بالناس والعربات في آن واحد، محال أن تجده خالياً ، حتى في أيام الشتاء يتكاثف فيه الناس كما تتكاثف حبات المطر على الزجاج ( الفيميه ) الأسود ذو الطابع الإنجليزي والذي يغطي كل نوافذ تريانون.
بمجرد دخولي ، أجد نفسي مجبراً على التفكير ، في أي شئ وفي كل شئ ، ربما هي تعويذه سحرية رماها المالك اليوناني للمكان قبل أن يرحل ، غريب أمرهم الأغريق يصرون دائماً على استنفار ذلك الكائن الخامد بجمجمتك وكأنهم يتلذذون بتعذيبك ، فكر كما تحب، لا مدينة فاضلة بعد يوتوبيا أفلاطون.
ومن يشغله مصير العالم بعد انتحار الفلاسفة وتعري الفلسفة ، مشاريعي أكبر من ذلك بكثير ، هناك فتاة تنظر إلي من طاولة غير بعيدة ،لم يخطئ فرويد حينما قال أن الجنس أصل كل شئ.
إحداهن تقترب من النافذة في عجل لتعيد خصلات شعرها المتناثر إلى مكانها ،حمالّة صدرها من النوع الرخيص تكاد تنطق بذلك دعاماته النافرة من تحت ثيابها ،لا تعلم أني أراها من الجانب الأخر لذلك لا تتكلف تصنع الإبتسامة ، أحب الناس حين يتصرفون على طبيعتهم ، الإنسان لم يولد غازياً العالم بضحكاته .. الإنسان يولد باكياْ .
تلوّن الجو برائحة الشيكولاتة الساخنة التي أحضرتها النادلة ذات (الميني جيب ) منذ قليل ، تتغير الموسيقى لتأتي موسيقى فيلم (العرَّاب) حاملة معها ذكريات أقنع نفسي دائماً بأني نسيتها ، أتفنن في وضع السكر ، أتذكر إشارتها الناعمة لي بأنه مُحلى بعض الشئ فلا داعي لكل هذا الكم كي لا " تجزع نفسي" .
من قتل ناجي العلي ، ولماذا قتلوه قبل أن يكشف لي عن وجه حنظلة ، هل خافوا إذا ظهر وجهه أن يكون له لسان ويسأل عن حقوقه ، كان يجب ألا يخافوا ، لو استدار لوجدوا معالمه مطموسة بذل الخيبة ، تُرى ماذا قصد ب (لاجئون لكننا عائدون) ، وكأنه لازال هناك ما يمكننا أن نرجع إليه ، أرتشف ما أمامي قبل أن يبرد ، قضية عمرها ستون عاماً يمكنها أن تنتظر لحظات ، أحدهم ينادي النادل طالباً الحساب ، لو أنه للسماء ندّال لمُسخنا – منذ زمن – قردة وخنازير.
أتأمل من جديد قائمة المشروبات الهرمية الشكل أمامي ، أحمد الله على أني لا أحب القهوة ، كنت لأحتار أي تلك الأسماء يناسبني اليوم ، تفتح سيدة بملامح أوروبية الباب الزجاجي لتجلس أمامي مباشرة ، تشعل سيجارتها وتطلب كأساً من الويسكي ، مثلي هي تراقب المارة في تلذذ ، لابد أن لها قصتها الخاصة .. كلٌ منا له قصته الخاصة ، لاحَظت أني أراقبها فباغتتني بنظره انصرفتُ على أثرها لمراقبة الثريا المدلاة من السقف المزخرف ، أتذكر حلماً قديماً باقتناء بطريق في منزلي المرتقب ، أخفي ضحكتي كما تعودت إخفاء كل شئ ، لو أمكننا إطالة طفولتنا لما عرفنا أبداً معنى الألم.
الطريق بدا مكتظاً عن السابق ، أعبره بعيني لأتأمل جدارية تحوي آلات موسيقية وسيدة ترتدي قرط كبير ، ووجه سيد درويش الحزين يناجيني كالعادة ، زوروني كل سنة مرة ، لو يعلم أني أزوره لأبحث عن نفسي الضائعة في نظراتي البالية إليه ، حنطور يقطع الصورة التي سرعان ما تتشكل مرة أخرى ، ألم يكن سيد درويش نصيراً للمحرومين ، لماذا يبدو وجهه إذاُ ممتلأً أكثر من اللازم .
عارفة إني بحبك ولا لسة ماعرفتيش ولا تكوني فاكرة اني بقولها كلمة ومن جوايا مابعنيش طب اسمعيها كلمة يمكن تريح بالي قبل بالك كلمة تحنن قلبك عليا وترضي يداروا جتتي بعد الممات يمْ بابك جايز أنول الوصل والمح خطوتك تتهادى كل صباح ترمي السلام .. تتنهدي أو حتى قولي حبنّي كلب وراح كل شئ منك مباح أو حتى ممكن – بالغلط- ترمي دمعة لا .. إلا دي أنا عشت عمري كله لأجل أمنعك م البكا فمتجيش بعد ما اموت وتبكي ساعتها هشعر قد ايه أنا عاجز ده ما يرضيكيش حتى ان كنت عندك ما بساويش برضه الميت له حرمته وأنا قبل ما اموت برضه كان ليا حرمتي انتي كنتي حرمتي معاذ الله مش قصدي حرمة كيف ما الناس يعرفوها لا حرمة حرمتيني الحياة إلا ف رحابك وصبحت درويش منين ما تروحي قلبي ملضوم بكعابك وقالوا عليا موهوم وقالوا عليا مظلوم لكنهم نسيوا يقولوا اني بحبك عارفة إني بحبك ولا لسة ماعرفتيش ولا تكوني فاكرة اني بقولها كلمة ومن جوايا ما بعنيش عارفة كنت افتكر ان نومة العازب دي رقصة ولا حركة لا ديه حقيقة وكنت افتكر اني وأنا معاكي أنا عازب ده شئ كاذب وانا معاكي حالي كان افضل من حال المتجوزين اقله كل ليلة كنت اخد صورتك في صدري وانام وانا ضامن اني بكره راح اشوفك ولجل بختي يمكن تجيلي ف المنام واصبح الاقيكي تقولي صباح الخير يا حبيبي ايوه انا كنت حبيبي ومن يوم ما قلت بحبك وانتي تناديني حبيبي واهي كلمة والسلام دلوقتي ليه تستخسريها وتقولي يرحمك الله يا إسلام ما تقولي يرحمك الله يا حبيبي ولا هما الميتين ملهمش نفس قوليها ، واهي تبقى ونس ماتخافيش حبنا عمره ما كان عيبة ربنا يعلم إن اللي بينا توبُه طاهر عمر ما طاله دنس ويعلم كمان اني احبك أكتر ما بتحبيني ماتنكريش الحسبة ساهلة اتنين ناقص واحد يسوى مافيش مش كان بينا عهد اننا نموت سوا واديني مت وانتي لساكي تتنفسي طب مين فضل ع الوعد ومين اللي صان العهد ومين اللي واللي واللي ايه هتغضبي خلاص خلاص متتحمقيش هقول ان أنا اللي خان وان أنا اللي باع وان أنا الي جالي قدري قبل ما يأذن ربنا فيكي بالرحيل وهنتظرك ف الآخرة و ف يدّي جواب اعتذار واعقدلك من ورد الجنة إكليل بس ترضي كل شئ بيكون لما ترضي وكل شئ هيكون لاجل ترضي وبرضاكي كل شئ بيهون جايز أنا مجنون بس الأكيد ان بسمتي وردة دبلانة يلزمها نورك لاجل تعيش وإني كلّي بحالي كلّي لو تغيبي مابساويش وان وشمك على صدري غسّلوني وكفّنوني لسه يبرق ماينطفيش ومهما قالوا هقول بحبك ومهما كادوا هقول بحبك والدنيا لو طبّة ف كفة حبك يعادل ويفوق عليه خلاص هروح بس قَبَلَّه نفسي لسانك بيها يبوح مش برضه هما بيسالوا المحكوم عليه نفسك ف ايه ها عارفة إني بحبك ولا لسة ماعرفتيش ولا تكوني فاكرة اني بقولها كلمة ومن جوايا ما بعنيش ؟
- أنا آسف يافندم ، لو حضرتك ممكن تشربيها كدة أو لو تحبي أعملك وحدة غيرها حالاً.
- لأ طبعا أعمل غيرها ، أنا استحالة اشربها كدة.
انصرف النادل وهو يلعن رنين هاتفه الذي كان سبباً لتحمل مثل تفاهات هذه السيدة حادة الطباع ، يجرى ايه لو شربتها كدة يعني !
ثوانٍ وعاد بعدها يحمل الفنجان الجديد.
- زي ما حضرتك طلبتيها والوش شاهد أههُ.
لم ترد ،واكتفت بهز رأسها المليئ بالعديد من الذكريات والأفكار والمشاعر المضطربة.
عشرين سنة بشربها كل يوم وف نفس الميعاد بنفس الطريقة وما يمنعنيش عن ده غير الشديد القوي ، وبكل بساطة يطلب مني شاب تافه لا يعرف عن الدنيا شئ أن أتغير ، كان غيره أشطر.
تذكرت محاولات مستميتة من العائلة لإثنائها عن تكرار رفض الزواج.
ومحاولات أكثر استماته من رجال محاولين التقرب من تلك الأنيقة المثقفة الثرية.
وكيف انها رغم كل ذلك لم تستطع ابداً الخروج من تلك الذكرى .
همَّت بإمساك بالفنجان لولا صوت أتى من خلفها جعلها تتسمر في مكانها
مساء الخير يا ليلي ، بصراحة مكنتش اتوقع انك لسه محافظة على قهوة الساعة 4 .
لم يكن من الممكن أن تخطئ ذلك الصوت ، صحيح أن النبرة تغيرت واذدادت نضوجاً إلا انها تعودت ان تسمع ذلك الصوت بقلبها لا بأذنيها وهذا ما لا يمكن ان يتغير ابدا.
عرفته في أول سنوات الجامعة ، التقيا لأنهما كان لابد أن يلتقيا وكل من رأهُم أقسم أن مثل تلك العلاقة لا يمكن ان تكون إلا في خيال مؤلفي الرومانسية.
أحبته وكأنه هي ، وهو لم يبخل عليها بمشاعره.
اقتربا في غرف الدرس ، وتوحدت أحلامهما في مكالمات بعد منتصف الليل ، وكانت قهوة الرابعة طقس ملحمي لتمجيد ذلك الإحساس النوراني في داخل كل منهما.
كان في عينيها البداية والنهاية حتى عندما بدأ الملل يتسرب إلى نفسه ، ارتضت منه القليل، فلمسة يده تكفيها شهراً تنسج منها أحلاماً وذكريات.
تلاشى ببطئ ، ولم ترد التصديق ، أخبرها أن المشكلة فيه لا فيها ، هو يكره قيد العلاقات ويريد الانطلاق ، عرف السبب لكنه فشل في التشخيص.
عرف بعدها واحدة واثنين و في كل مرة تكون نفس النهاية ، داخله يحب الإستقرار ولكنه متمرد ، تمرد على نفسه ، أراد روح زروبا لا روحه فهلكت منه دون أن يدري .
وهي ، توقف بها الزمن عند أخر لحظة بينهما ، انتظرته أن يعود ولكنه ظل تائها من نفسه كثيراً ، فكيف له أن يهتدي إليها.
تزوج ، وسافر ، وعاد ، وانفصل وفي كل خطوة يخطوها يبحث عن شئ لا يعرفه.
وهي تزداد تعلقاً باللحظة ، تتشبث بها ، تخاف أن تخرج منها فلا تجدها مرة أخرى.
سنوات ذكراها أوحت لها " إن لم يكن الآن .. فمتى ؟ّّ " وصورته تنعكس على سطح الفنجان ، مُذكّرة إياها بكل ما حدث .
- لم تجرؤ على النظر خلفها ، امتدت أصابعها ببطء نحو الملعقة في طرف الطبق ، لم ترتجف يدها ، وكأن مرارة السنين أكسبتها فجأة صلابة لم تكن تدري انها بداخلها ، لم تفكر كي لا تتردد ، وبتنهيدة حملت عشرين عاماً من الإنتظار ، حركت الملعقة في الفنجان ليغيب الوش داخل السديم لأول مرة.