أشرت له على الكرسي الخالي بجانبي .. تمتم بشفتيه بصوت غير واضح وحوّل وجهه ناحية العربة الآخرى ، مستنداً بكلتا يديه على ظهر المقعد ، اللتين تدلى من بينهما الكيس الأسود.
لم يبق في رأسه سوى بعض الشعيرات الرمادية التي تزين بشرته السمراء ، متوسط القامة ، لا يلبث أن يفرد قامته كلما تذكر أن ظهره تراخى .. وانحنى.
اهتزّت الترام بعنف قبل أن تتوقف ، تحرك الكومساري العجوز إلى آخر العربة .. سارع صاحب الكيس إلى مقعد الكومساري الصغير وتنهد بعمق قبل أن يبتسم لأول مرة ، كان الجالس أمامي قد تمكن أخيراً من تدوين تفاصيل سفره لابنته في السعودية ، بيدٍ مرتعشة أعاد النوتة الزرقاء إلى جيب القميص عابراً فتحة البلوفر العلوية.
تعالت أصواتهما المُتعَبَة في احتداد ، أصر الكومساري على حقه في الجلوس فيما صاح الآخر لاعناً الحكومة وخدماتها ، تبينت ذِكر الكرسي الشاغر بجانبي وسط حديثهما ، كان الآخر قد يأس من الحديث فانتزع كيسه وقام .. نَظر في أعيننا بحرقة حينما تمزق الكيس وسقطت منه عبوه مكتوب عليها بخط كبير " حفاظات للكبار " ، لـفّها في بقايا الكيس بسرعة ونزل من الترام وهو يحرك شفتيه دون أن يصدر صوتاً.
انطلقت الترام العتيقة من جديد تشق بطن المدينة الحُبلى بالمرايا والملح ، تجاوز تفكيري ما حدث وعدت لمتابعة اسماء المحلات والشوارع والبنات ، تَركت مقعدي المُختلف اللون متأهباً للنزول الأخير ، رميت عبارة "مقعد مخصص للمعاقين وكبار السن " الباهتة فوقي بنظرة سريعة .. قبل أن استسلم من جديد لأمواج الخريف البارد.
------------
إسلام المصري
الإسكندرية
10/6/2011