Friday, February 19, 2010

وش الفنجان

- فين الوش؟!!
- أنا آسف يافندم ، لو حضرتك ممكن تشربيها كدة أو لو تحبي أعملك وحدة غيرها حالاً.
- لأ طبعا أعمل غيرها ، أنا استحالة اشربها كدة.
انصرف النادل وهو يلعن رنين  هاتفه الذي كان سبباً لتحمل مثل تفاهات هذه السيدة حادة الطباع ، يجرى ايه لو شربتها كدة يعني !
ثوانٍ وعاد بعدها يحمل الفنجان الجديد.
- زي ما حضرتك طلبتيها والوش شاهد أههُ.
لم ترد ،واكتفت بهز رأسها المليئ بالعديد من الذكريات والأفكار والمشاعر المضطربة.
عشرين سنة بشربها كل يوم وف نفس الميعاد بنفس الطريقة وما يمنعنيش عن ده غير الشديد القوي ، وبكل بساطة يطلب مني شاب تافه لا يعرف عن الدنيا شئ أن أتغير ، كان غيره أشطر.
تذكرت محاولات مستميتة من العائلة لإثنائها عن تكرار رفض الزواج.
ومحاولات أكثر استماته من رجال محاولين التقرب من تلك الأنيقة المثقفة الثرية.
وكيف انها رغم كل ذلك لم تستطع ابداً الخروج من تلك الذكرى .
همَّت بإمساك بالفنجان لولا صوت أتى من خلفها  جعلها تتسمر في مكانها
 مساء الخير يا ليلي ، بصراحة مكنتش اتوقع انك لسه محافظة على قهوة الساعة 4 .
لم يكن من الممكن أن تخطئ ذلك الصوت ، صحيح أن النبرة تغيرت واذدادت نضوجاً إلا انها تعودت ان تسمع ذلك الصوت بقلبها لا بأذنيها وهذا ما لا يمكن ان يتغير ابدا.
عرفته في أول سنوات الجامعة ، التقيا لأنهما كان لابد أن يلتقيا وكل من رأهُم أقسم أن مثل تلك العلاقة لا يمكن ان تكون إلا في خيال مؤلفي الرومانسية.
أحبته وكأنه هي ، وهو لم يبخل عليها بمشاعره.
اقتربا في غرف الدرس ، وتوحدت أحلامهما في مكالمات بعد منتصف الليل ، وكانت قهوة الرابعة طقس ملحمي لتمجيد ذلك الإحساس النوراني في داخل كل منهما.
كان في عينيها البداية والنهاية حتى عندما بدأ الملل يتسرب إلى نفسه ، ارتضت منه القليل، فلمسة يده تكفيها شهراً تنسج منها أحلاماً وذكريات.
تلاشى ببطئ ، ولم ترد التصديق ، أخبرها أن المشكلة فيه لا فيها ، هو يكره قيد العلاقات ويريد الانطلاق ، عرف السبب لكنه فشل في التشخيص.
عرف بعدها واحدة واثنين و في كل مرة تكون نفس النهاية ، داخله يحب الإستقرار ولكنه متمرد ، تمرد على نفسه ، أراد روح زروبا لا روحه فهلكت منه دون أن يدري .
وهي ، توقف بها الزمن عند أخر لحظة بينهما ، انتظرته أن يعود ولكنه ظل تائها من نفسه كثيراً ، فكيف له أن يهتدي إليها.
تزوج ، وسافر ، وعاد ، وانفصل وفي كل خطوة يخطوها يبحث عن شئ لا يعرفه.
وهي تزداد تعلقاً باللحظة ، تتشبث بها ، تخاف أن تخرج منها فلا تجدها مرة أخرى.
سنوات ذكراها أوحت لها " إن لم يكن الآن .. فمتى ؟ّّ " وصورته تنعكس على سطح الفنجان ، مُذكّرة إياها بكل ما حدث .
- لم تجرؤ على النظر خلفها ، امتدت أصابعها ببطء نحو الملعقة في طرف الطبق ، لم ترتجف يدها ، وكأن مرارة السنين أكسبتها فجأة صلابة لم تكن تدري انها بداخلها ، لم تفكر كي لا تتردد ، وبتنهيدة حملت عشرين عاماً من الإنتظار ، حركت الملعقة في الفنجان ليغيب الوش داخل السديم لأول مرة.

تمت
*********

إسلام المصري
13/2/2010